فلسطين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فلسطين


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 استنهاض حركة «فتح» الفلسطينية في عالم متغير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Palestenian
عضو فعال
عضو فعال
Palestenian


عدد الرسائل : 39
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 05/09/2007

استنهاض حركة «فتح» الفلسطينية في عالم متغير Empty
مُساهمةموضوع: استنهاض حركة «فتح» الفلسطينية في عالم متغير   استنهاض حركة «فتح» الفلسطينية في عالم متغير Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 07, 2007 12:15 pm

مقدمة

الحركات والتحولات الكبرى في حياة الشعوب تبدأ بفكرة تسيطر على تفكير شخص أو عدة أشخاص متميزين بتفكيرهم وقدرتهم على قراءة الواقع و التفاعل مع مجريات الأحداث، فكرة مستوحاة من وسط المعاناة وتشكل استجابة لتساؤلات واقع مأزوم غالبا، إلا أن الفكرة وحدها لا تُحدث التغيير بل تحتاج لحاضنة والحاضنة هي المؤسسة أو الحزب المدعوم بقوة الجماهير والمتوج بقيادة أو نخبة تؤمن بالفكرة وتحضا برضا الجمهور.

حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) بدأت فكرة بسيطة في ظاهرها إن تعاملنا معها كفكرة لحركة تحرر وطني كان العالم الثالث آنذاك يشهد عديدا منها في أسيا وأفريقيا، ولكنها في العمق فكرة تهدف إلى ما يشبه المستحيل، ليس فقط لطبيعة العدو الذي يحتل الوطن وقوة وتشعب علاقاته الخارجية، بل أيضا لواقع العالم العربي المحيط بالفلسطينيين والذي لم يكن مرحِبا بهذا الوافد الوطني الجديد.

حركة فتح بدأت فكرة لعدة أشخاص ثم فكرة وفكر لتنظيم ثم مشروع وطني متكامل، أقرت غالبية الشعب لفتح بدور الريادية لهذا المشروع.

في بحثنا هذا سنقارب حركة فتح من حيث الفكرة أي الأفكار المحورية للحركة والتي على أساسها حضت بدور الريادة ونتطرق للبنية التنظيمية التي كانت تتواءم مع الفكرة من جانب وواقع الشتات من جانب أخر، وفي محور ثاني نتناول التحولات التي طرأت وأثرت على الحركة فكرا وتنظيما وأدت بالحركة إلى حالة مهدت لهزيمتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ونبحث أخيرا في السبل التي يمكن بمقتضاها العودة بحركة فتح إلى دورها الريادي.

إشكالية البحث الأساسية التي نطرحها هي التعارض القائم ما بين حركة فتح كفكرة تجسد الهوية والكيانية السياسية والمشروع الوطني من جانب وما آل إليه التنظيم من حالة ضعف جعلته دون الفكرة بل ويشكك البعض في قدرته على قيادة المشروع الوطني. أما الفرضية ألتي سنحاول إثباتها فهي كما يلي: حيث أن فتح الفكرة ما زالت صحيحة وكل القوى السياسية التي حاولت مصادرة المشروع الوطني أو النطق باسمه وصلت لطريق مسدود فبالتالي يمكن من خلال النهوض بفتح التنظيم إعادة دور الريادة للحركة.

المحور الأول: لماذا كانت حركة فتح؟

من حيث المبدأ فإن الحزب السياسي هو تنظيم وفكرة سياسية وقيادة وكل حزب يسعى للاستمرارية ما استمرت القضية التي يدافع عنها، ولكن مصير الشعوب لا يرتبط بمصير الأحزاب والحركات السياسية ولا بمصير القادة بل يرتبط بالفكرة الوطنية التي يعبر عنها الحزب أو الحركة، الشعوب ترنو نحو مَن يجسد ويعبر عن مصالحها وطموحاتها أي نحو الفكرة الوطنية ومن يحملها بأمانة. ما دام الحزب السياسي مؤمنا بالفكرة التي تؤمن بها الجماهير فالناس ستمنح الحزب ثقتها، وستتوطد عرى الثقة والتفاعل إن وجدت قيادات في مستوى نبل الفكرة، الجماهير لها حساسية تجاه الأفكار والأشخاص، الجماهير قد تصمت وتصبر و قد تماري وتنافق لحين من الزمن، على أمل التغيير أو تحت قهر الحاجة والمصلحة، لكنها ستغير ولاءها إن شعرت أن الحزب لم يعد وفيا للفكرة الوطنية أو أصبح عاجزا عن مجرد إعطاء أمل بإمكانية تحققها. القول بالشرعية التاريخية أو الدينية لا يكفي لكسب ثقة وولاء الناس، والمال والدعم الخارجي لا يصنع قيادة شرعية ولا يطيل من عمر حزب نبذته الجماهير.

فتح كفكرة عظيمة احتاجت لرجال عظماء لتعلن عن انطلاقتها في فاتح يناير 1965، وحتى تستمر في ظل ظروف وتحديات تفاقمت مع مرور الوقت كانت أشد حاجة للحفاظ على عظمة الفكرة وعظمة رجالاتها، فلا يمكن الحديث عن تنظيم يقود أمة تمر بظروف وتحديات كالتي يمر بها الشعب الفلسطيني، دون فكرة عظيمة ورجال عظماء، وعليه يجب التمييز ما بين الفكرة والتنظيم، ويمكن القول بان فتح (التنظيم) اليوم هو دون مستوى فتح (الفكرة).

عندما نقول فتح الفكرة فإنما المنطلقات الفكرية التي ميزت حركة فتح عن غيرها من التنظيمات التي كانت سائدة وقت ظهور الحركة وأهمها:

أولاً: فكر الوسطية والاعتدال والانفتاح

من عايش أو تابع مسيرة حركة فتح وخصوصا في عقديها الأولين لمس أن فتح الفكرة لم تستقطب فقط أبناء الحركة المنتمين، بالمفهوم التنظيمي الحركي، بل استقطبت غالبية أبناء فلسطين في الداخل والخارج واستقطبت الملايين من المؤيدين في أصقاع العالم من غير الفلسطينيين، حتى كان يجوز القول بان الفتحاويين من غير الفلسطينيين كانوا أكثر عددا من الفتحاويين الفلسطينيين، ذلك لأن الحركة جسدت الوسطية والاعتدال والانفتاح على كل العقائد والتيارات الفكرية، فاليساري والإسلامي والقومي والوطني، الكل يجد ذاته داخل الحركة. فتح الفكرة كانت تعني الانتماء السياسي و الفكري والروحي والإنساني لقضية عادلة ولأشخاص نذروا أنفسهم للقضية، الانتماء لفتح الفكرة كان يعني العطاء والبذل دون انتظار مقابل. لم يكن الانتماء لفتح الفكرة يعني أن المنتمين يؤمنون بقدرة الحركة عاجلا على تحرير فلسطين من البحر للنهر أو هزيمة المشروع الصهيوني، فقادة الحركة الأوائل كانوا واضحين عندما قالوا بان مهام التحرير هي من اختصاص الأجيال القادمة، وكان أبو عمار يردد دائما مقولة (سيأتي يوم ويرفع شبل من أشبال فلسطين أو زهرة من زهرات فلسطين علم فلسطين على أسوار القدس. . . )، بل كان الانتماء لفتح الفكرة يؤسس على الثقة بالقائمين على الحركة وبسلوكياتهم ونهجهم النضالي والحياتي وبعدالة القضية، صعوبة تحقيق الهدف الوطني وحتى استحالته لم يكن يُضعف من الانتماء للحركة بل كان يعمق من الانتماء ما دام وراء الحركة رجال عظماء إن لم يحققوا المستحيلات فيستحقون الوقوف لجانبهم والتضحية من اجل المستحيل المشروع (أو المشروع المستحيل) الذي نذروا أنفسهم له، الانتماء كان لفكرة تستحق التضحية حتى وإن كانت تضحية الصبر على المكاره.

ثانياً: كسر المعادلة، من لاجئين إلى شعب صاحب قضية سياسية

ما بوأ الحركة دور قيادة المشروع الوطني أنها استطاعت تحويل الفلسطينيين من جموع للاجئين يقفون أمام وكالات الغوث ينتظرون العون والمساعدة إلى شعب ثائر مقاتل، تحولوا من أناس سلبيين لا يشاركون في صنع الحدث بل متفرجين على الأحداث إلى فاعلين للحدث ومؤثرين على تطور الأحداث ومبادرين طليعيين في الحركة النضالية العربية. مع حركة فتح و من خلال صراعها الحامي مع العدو تحولت المسألة الفلسطينية المهملة في أدراج الأمم المتحدة والمحافل الدولية، إلى القضية الأولى في المنطقة، إلى قضية شعب ثائر وحركة تحرر وطني، وأصبح الفلسطينيون يقولون نحن في الميادين، بعد أن كانت كلمة فلسطيني لعنة ونقمة على من يتلفظ بها.

كان تأثير الصراع والثورة النفسية والاجتماعية التي أطلقتها حركة فتح على الشعب الفلسطيني أكبر وأعظم وأكثر أهمية من تأثير العمل العسكري، فهذا العمل بقى تأثيره محدودا على العدو المتفوق والقادر على تعويض وامتصاص أي ضربات توجهها إليه الثورة، دون أن يتخلخل بنيانه أو يُهَدد وجوده، أما تأثيرها على الشعب الفلسطيني وقضيته فأنها (قد أعادت الطمأنينة إلى النفوس المنكوبة وهدهدت حدة الآلام التي يرزح شعبنا تحت وطأتها فامتلأت نفوس شعبنا بالثقة بقدرته على تحرير وطنه من الغزاة الصهاينة). (2)

لأنها حركة تحرر، كانت حركة فتح مدركة لأهمية العنف الثوري بالنسبة للشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار، وكون العمل العنيف ـ الكفاح المسلح ـ يصبح حتمية تتطلبها وتفرضها الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية، فالكفاح المسلح ليس اختيارا ذاتيا بل هو ضرورة ملحة يفرضها الواقع، ذلك (أن الرصاصة في ظروف تاريخية معينة نعني ظروف التحرير هي التي تفعل وتقرر وتقوض الظلم وتبني الأوطان) (3).

لم يكن نهج فتح يعني أنها مجرد حركة عسكرية بل كان للفعل العسكري وظيفة اجتماعية كما اشرنا، أيضا جمع شمل الفلسطينيين اجتماعيا وسياسيا والحيلولة دون ذوبانهم في مجتمعات أخرى، فالكفاح المسلح كفيل بوضع حد لحالة التشرذم التي يعيشها الفلسطينيون: (كان الكفاح المسلح وسيلة لجذب الفلسطينيين نحو الحركة الفلسطينية و إبعادهم عن المنظمات الأخرى، فلم تكن فتح قادرة على منافسة المنظمات الأخرى أيديولوجيا، وكانت دعوة الكفاح المسلح وحدها كفيلة بإبعادهم عن هذه الأحزاب وخصوصا أنهم ملوا الوعود الفارغة لهذه الأحزاب). (4)

ثالثاً: إبراز الشخصية الوطنية والكيانية السياسية

حركة فتح تعني أيضا الشخصية الوطنية الفلسطينية فبالإضافة إلى الاعتبارات الاجتماعية السابقة، أبرزت فتح الأهمية الكامنة في الكفاح المسلح كوسيلة لبلورة الشخصية الفلسطينية وتأكيد وجودها على المسرح العالمي كوسيلة لوقف محاولات الطمس والتغييب التي مورست على القضية كقضية شعب يريد الاستقلال لا قضية لاجئين، وعليه فالعنف المتضمن في الكفاح المسلح يسعى (إلى إخراج عمل صارخ مذهل يصعق مخيلة الإسرائيليين الذين كنا نريد أن نبلغهم وندلل لهم على وجودنا كفلسطينيين يسعون إلى تدعيم إرادة الصراع بصورة مستقلة استقلالا ذاتيا عن الأنظمة العربية التي قذفنا في وجهها هذا التحدي، وأخيرا تدعيمها أمام الرأي العام العالمي الذي كان يجهل أو يتجاهل قدر ومصير شعبنا). (5)

فتح الفكرة كانت تعني أيضا الكيانية السياسية حيث انتقدت الحركة روح اللامبالاة والإتكالية التي فرضت على جموع الفلسطينيين، وانتقدت الحكومات والحركات الحزبية العربية لاستغلالها القضية الفلسطينية لغير صالح الشعب الفلسطيني، وطالبت بإبراز الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، ونفت حركة فتح أن تكون المطالبة بإبراز الهوية الوطنية الفلسطينية، انسلاخا عن قضايا النضال القومي العربي، أو تعبيراً عن ردة فعل إقليمية، بل وضحت أن إحياء االشخصية الفلسطينية يعبر عن رفض المعالجة الخاطئة للقضية الفلسطينية، واستنكار حالة التغيب التي فرضت على الفلسطينيين وأوضحت أن طمس الشخصية الفلسطينية لا يشكل خطرا على شعب فلسطين فحسب، ولكنه يشكل إضرارا بالمسيرة النضالية القومية العربية، ذلك أن ذوبان الشعب الفلسطيني يعني: "ذوبان القضية الفلسطينية، وكانت في ذلك تطرح المبررات العملية لوضع القضية الفلسطينية في يد الشعب الفلسطيني، ولكنها في نفس الوقت تحذر الحكومات العربية من مغبة الوقوف في وجه الوطنية الفلسطينية الصاعدة، التي أرادت لها فتح، أن تمارس نشاطها الوطني انطلاقا من كيان فلسطيني دعت فتح لقيامه على أرض فلسطيني. ومن هنا طالبت بضرورة وجود كيان للشعب الفلسطيني يمارس من خلاله نضاله الوطني المشروع، وبضرورة وجود قيادة فلسطيني للشعب الفلسطيني، وأن يوضع حد لتحكم الأنظمة والأحزاب العربية بالشعب الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني "بحاجة إلى قيادة فلسطينية تنفعل مع القضية الفلسطينية انفعالا وطنيا فتقود طلائع شعبنا إلى تحرير وطنهم". (6)

هذه القيادة تمارس دورها في الكيان الفلسطيني الذي يجب أن يقام مرحلة أولى على الأرض الفلسطينية الخاضعة للإدارة العربية، والمقصود بذلك الضفة الغربية وقطاع غزة. "إن الكيان مطلب أساسي من مطالبنا نحن عرب فلسطين المشردين، وقد طال علينا الزمن، ونحن نعيش حياة الذل والهوان والتشرد. والكيان حق شرعي لنا.. إن هناك أقساما عربية من فلسطين وعلى هذه الأقسام ينبغي أن نشيد صرح حكم وطني فلسطيني ثوري قيادي". (7)

كما ارجعت حركة فتح مبررات التركيز على الشخصية والوطنية الفلسطينية إلى اعتبارات عملية لها علاقة بالواقع الدولي، وبتحديد المسؤولية، حيث أن الممارسة العربية الخاطئة للقضية الفلسطينية، عربياً ودولياً، أظهرت للعالم كأن الصراع الدائر في المنطقة هو صراع بين دولة إسرائيل الصغيرة المحاصرة وبين الدول العربية التي تحاصرها من كل جانب وتهدد بقذف اليهود إلى البحر! هذا التصور المغلوط لدى الرأي العام العالمي، خدم السياسة الصهيونية، وأوجد تأييداً عالمياً لإسرائيل. ومن هنا أرادت "فتح" أن تبين أن الصراع هو، في حقيقته، صراع بين الشعب الفلسطيني الصغير العدد، المشتت في المنافي، المطرود من أرضه، وبين إسرائيل المدعومة بالحركة الصهيونية وبالإمبريالية العالمية.

رابعاً: استقلالية الهوية والقرار

انتقدت حركة فتح روح اللامبالاة والإتكالية التي فرضت على جموع الفلسطينيين، كما أخذت على الحكومات والحركات الحزبية العربية استغلالها القضية الفلسطينية لغير صالح الشعب الفلسطيني، وعليه طالبت بإبراز الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. وحيث أن المرحلة العربية كانت مرحلة المد القومي فقد نفت الحركة أن تكون المطالبة بإبراز الهوية الوطنية الفلسطينية، انسلاخا عن قضايا النضال القومي العربي، أو تعبيراً عن ردة فعل إقليمية، وأوضحت فتح أن إحياء الهوية الوطنية الفلسطينية يعبر عن رفض المعالجة الخاطئة للقضية الفلسطينية، واستنكار حالة التغيب التي فرضت على الفلسطينيين وأوضحت أن طمس الهوية الفلسطينية لا يشكل خطرا على شعب فلسطين فحسب، ولكنه يشكل أضرارا بالمسيرة النضالية القومية العربية، ذلك أن ذوبان الشعب الفلسطيني يعني: "ذوبان القضية الفلسطينية، إذ أن قضية وطن لا شعب لا يعني شيئا مطلقا في النطاق الدولي على الأقل ينبغي أن تعلم الحكومات العربية جميعا أن شعب فلسطين هو الممثل الشرعي للقضية الفلسطينية لأنه وحده الذي يمثل المأساة ويواجهها، وإلا فمن هم الذين يشردون من بلادهم ؟... إنه لا يحق لأية دولة عربية بأن تقول بأنها تمثل عرب فلسطين، فعرب فلسطين لا يمثلهم إلا أبناء فلسطين، إن شعب فلسطين سيفرض نفسه ليتحمل قضية وطنه وليشارك إخوانه أبناء العروبة في النضال من أجل تحرير الوطن السليب، فشعب أصدق من يعمل لقضية فلسطين، فلا الوطنية تنقصنا ولا الثقافة والاختصاصات بعيدة عنا، فنحن نحمل مشعل الثقافة والوطنية في أية منطقة عربية نحل بها". (Cool

شمولية الفكرة ومعيقات التنظيم

فكر الحركة المشار إليه أعلاه والمتسم بشمولية الفكرة كان يواجه بواقع مجتمعي يتسم بالشتات ويخضع لأنظمة إما معادية لقضيته الوطنية أو متحفظة ومترددة في دعم القضية، فكان لزاما أن يكون التنظيم على درجة من المرونة تسمح له بالانتشار والتكيف مع بيئات مختلفة، وهي مرونة إكراهية وليست ارادوية، وكثيرا ما كانت تؤدي لحالة من التسيب التنظيمي، وعليه فإن الناظم للحركة لم يكن التنظيم بمفهومه الدقيق بل الفكرة والقيادات الكارزماتية للمؤسسين الأوائل. فكرة التنظيم الحزبي الصارم كانت متواجدة نسبيا في بدايات ظهور الحركة نظرا للطابع السري الذي حكم عمل الحركة آنذاك وقلة عدد المنتمين، إلا انه مع علنية الحركة في 1965 ثم هزيمة 1967 ومعركة الكرامة مارس 1968، تدفقت جموع للانتماء للحركة الأمر الذي أربك القائمين على التعبئة والتنظيم، ليس فقط لان هذا الإقبال كان متعدد الجنسيات ومتعدد أماكن الإقامة بل أيضا لأن البعد العسكري من عمل الحركة كان طاغيا على البعد السياسي التنظيمي، وانشغلت حركة فتح بالتعبئة العسكرية أكثر من اهتمامها بالبناء التنظيمي الحزبي، ومع ذلك كانت محاولات للتنظيم في أكثر من إقليم خارج الوطن ولكنها لم تكن دائما موفقة لان غالبية المنتمين كانوا من الطلاب والمعلمين أو من رجال الأعمال وهؤلاء لا يستمروا طويلا في البلد الذي يقيمون به، وفي الأقاليم التي تعرف تواجدا كبيرا للفلسطينيين كالأردن وسوريا ولبنان ومصر والخليج، لم تكن الظروف السياسية وخصوصا توتر العلاقة بين النظام القائم وقيادة فتح تسمح بحرية العمل الحزبي والتنظيمي دائما، وفوق كل ذلك تم إغراق التنظيم بالرسمية والوظيفية والتخمة المالية وتداخل عمل السفراء مع العمل التنظيمي.

بالرغم من محاولات عدة جرت لإستغلال هذه المرونة التنظيمية وخصوصيات الجغرافيا لخلق انشقاقات داخل الحركة ووصل الأمر لدرجة الاقتتال الدامي في بعض الحالات، إلا أن الحركة حافظت على وحدة بنيتها الأساسية ولم يكتب للمنشقين النجاح.

إلى ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو وتسلم حركة فتح لسلطة الحكم الذاتي لم تكن الانشقاقات مهددة لوحدة وتماسك الحركة لعدة اعتبارات أهمها:

1- طبيعة برنامج الحركة المرن والذي يسمح بتعدد الرؤى والمواقف بحيث كان يمكن لأي منتسب للحركة كفرد أو جماعة أن يمثل تيارا فكريا دون أن يتعارض ذلك مع برنامج وسياسة الحركة.

2- تمسك الحركة بالثوابت الوطنية، فكل التنازلات كانت من المنظمة وباسمها وليس من تنظيم حركة فتح الذي كان يوظف مرونة المنظمة وتنازلاتها دون أن يصدر عنه قرارات تعترف بهذه التنازلات.

3- هيمنة قيادة فتح على المنظمة وضع بيدها سلطات وصلاحيات تجعلها الطرف القوي في مواجهة أي منافس أو متمرد عليها.

4- دعم كثير من الدول العربية والأجنبية لنهج حركة فتح المعتدل في مقابل حركات انشقاقية ذات توجهات قد تكون محرجة للأنظمة العربية ودعمها يحملهم تبعات سياسية هم في غنى عنها.

5- غالبية الشعب الفلسطيني بما في ذلك فصائل منظمة التحرير، كانت مع وحدة الحركة ولو شكليا تخوفا من تبعات انهيارها على مجمل المشروع الوطني وعلى منظمة التحرير.

6- وجود أبو عمار على رأس الحركة كمؤسس للحركة وبشخصيته الكارزماتية ذات القدرة الكبيرة على المناورة والمساومة، ساهم في وحدة الحركة تحت عباءته.

7- المركزية المالية للحركة حيث كان الراحل أبو عمار يحتكر كل مفاتيح الوضع المالي للحركة سواء كرئيس لها أو رئيس لمنظمة التحرير، مما مكنه من شراء ولاء كل من يفكر بالتمرد أو قطع الدعم المالي عمن يتمرد بالفعل.

8- ساد في حركة فتح نهج عدم الحسم بأية قضية خلافية ومحاولة خلق توازن أو توافق موهوم ومصطنع بين قوى متعارضة ومتصارعة، إما بإسكاتها بالمال أو بالمناصب أو بالتهميش أو بالبوس على اللحى.

9- غياب الحسم والمحاسبة والمتابعة وممارسة سياسة الحشد وتكثير العدد دون فكر موحد أو روابط تنظيمية واضحة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
استنهاض حركة «فتح» الفلسطينية في عالم متغير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فلسطين :: فلسطين العامة :: قضية وحوار-
انتقل الى: